الأربعاء، 17 أبريل 2013

الساحرة المستديرة ......

ترى زوجتى - مثل أى أم - ان ابنائنا من العباقرة الافذاذ وانه لو توافرت لديهم الفرصة فقط فسوف يكون لهم حظا فى الدنيا يماثل العظماء والمشاهير ......
هى تردد دائما - وهى تنصح الاولاد اثناء المذاكرة والتى يعلو اثنائها صوتها حتى يسمعه جيران آخر الشارع - هوه انت ناقص عن زويل ايه ... هه .... ايد !! ..... رجل .....!!! وينظر لها الاولاد فى بلاهة لانهم اساسا لا يعرفون من هو زويل ؟؟؟ كما انهم لا يعرفون ان هناك فى الدنيا فعلا من يزيد عنهم بما حباه الله لهم من عقل ومهارة ليس شرطا ان تتوافر للجميع ......

اؤمن تماما بان الله قد قسم المواهب مثلما قسم الارزاق وارى ان لكل واحد منا موهبة تميزه وتختلف به عن الاخر .... حتى ولو كانت موهبة تافهة أو غير ملحوظة ..... الا انه يظل فيها الملك الذى يتسيد عرشها .... لا ينافسه فيها احد قط !!!
اعرف زميلا لنا فى المرحلة الاعدادية كانت له موهبة عظيمة ..... فى الصفير ...... نعم ..... الصفير !!!
كان عندما يبدأ فى الصفير ... يسكت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير .... كان صفيره قويا منغما .... قادر على تطويعه بطلاقة .... يستطيع ان يعزف بصفيره اعقد الالحان بسهولة ووضوح فائقين ..... كان موهوبا ..... لكن فى الصفير فقط !!!!

ابنى الاكبر ..... لم تتحدد مواهبه بعد .... مثله مثلنا عندما كنا فى عمره ... يجرب هو كل الاشياء ..... يحلم .... يعتقد انه الافضل ..... حتى يظهر له ندا يبين تواضع مستواه ..... فيقرر الانتقال لهواية اخرى ..... جرب السباحة .... لكنها لم تستهويه .... جرب الجودو .... لكن نهايته كانت على يد ولد غريب ... عجيب .... اعطاه الله بسطة فى الجسم رغم صغر سنه ..... لو صارعنى لغلبنى !!! اشفقت على ابنى وانا ارى هذا العملاق يطوح به مثل الفطيرة فى الهواء ... ثم يطرحه ارضا .... ثم يتلقاه من الارض كعجينة قد اختمرت ليلفها مرة اخرى مستعدا لحشوها بالزبيب والمكسرات !!!! والله لولا الملامة لتدخلت فى المباراة دفاعا عن ولدى ..... ولتكررت احداث فيلم .... سلفنى 3 جنيه !!
بمرور الايام استقرت قناعته  أو وهمه انه موهوب فى كرة القدم !!!! ورغم انه يرتدى نظارة طبية - الا ان استاذه فى المدرسة والذى هو فى نفس الوقت مدربه فى النادى ( واخد بالك انت ) أقنعه واقنع والدته انه ليس هناك مشكلة اطلاقا فى لبس النظارة ...... وأكم من لاعبين كبار يرتدونها بلا اى مشكلة .... ثم نظر حوله قبل ان يفاجئهم بالقنبلة والتى اخذوا لاسابيع يرددونها بين الاقارب والاصحاب ... أن ابو تريكة يرتدى نظارة طبية ..... نعم ..... لكنه يكتفى بالعدسات اثناء المباريات !!!!

ورغم قناعتى ان الولد ليس له فى الكورة ولا فى الطحين الا اننى وافقت مرغما بعد تحزيرات امه باننى اقف امام مستقبله وانه كم من ابناء خاب املهم بسبب افعال ابائهم ....... ثم تهديدها بعد ذلك بانها غير مسؤولة عن درجاته ومستوى تحصيله .... لان الولد دماغه كلها كورة !@#$%%%+ @!
شاهدت ابنى وهو يلعب وتاكدت يقينا .... انه فعلا موهوب ...... وانه قد غلب مهارتى عندما كنت فى عمره .....كان موهوبا فعلا فى اخذ الكبارى ولو كان هناك انفاق فى كرة القدم لاصبح ملكا متوجا فى حفرها بين قدميه ........ انها الحقيقة المرة ...... ولو كان لهذا المدرب ضمير او بقية ايمان لطرده فورا خارج الملعب .... الا انها النقود يا اعزائى ...... ليس ولدى هو الوحيد .... فهناك شلة من الموهومين من اصدقائه الذين يجرون ابائهم كل يومين الى هذا النادى العريق ليمارسوا لعبة ليس لهم فيها اى مستقبل كما ان ماضيهم القصير مظلم حالك ...... لست ضد ممارسة الرياضة لكننى ضد النصب والسرقة باسمها .... ضد صنع الاحلام الوهمية ..... ضد توجيه الجميع كالقطيع لممارسة رياضة بعينها ..... طمعا فى مكسب مادى وشهرة زائفة .....

كنت اتابع ابنى فى التدريب فغامت عينى ورجعت بى الذاكرة للوراء ....اكثر من ثلاثين عاما لاتذكر اياما جبت فيها معظم شوارع حلوان  اما للعب مبارة أو للتحكيم .... كنت طبعا قد تحولت للتحكيم ..... بحكم انه لا فائدة من استمرارى كلاعب غيرالاساءة لهذه اللعبة العظيمة .... أو بحكم تلك الصفارة التى ادخرت مبلغا ماليا لشرائها .... وكذلك لانه لم يكن هناك اساسا حكام فى مباريات الشوارع .... فكان الجميع يوافق على وجودى ..... ومع ظهور اول مشكلة او اعتراض.... تتعالى الاصوات .... مش عايزين حكم ..... حكم ايه ده !!! ...... هوه احنا بنلعب فى الاستاد ...... فاتحول على الفور الى حكم سابق  ومشاهد محترف  لا يكل ولا يمل من تشجيع اللعبة الحلوة .....

حلوان ...... اواخر السبعينات واوائل الثمانينات .... الشوارع واسعة .... خالية من المارة ..... فما بالك بالسيارات  ..... الفيلات القديمة تملأ اركان الشوارع  التى تسمت باسماء الامراء والباشوات ..... اتاح هذا للجميع ملاعب مجانية رائعة ...... رايت فيها عدد كبير من محترفى الكرة والذين كانوا يلعبون الكرة الشراب والتى كان التحكم فيها غاية فى الصعوبة ...... كان من يمتلك كرة (كفر) يعتبر من الاعيان ...... لا اعرف حقيقة سبب تسمية هذه الكرة باسم ( الكفر ) ...... هل هى من الكفر والعياذ بالله ... لان من يلعب بها هم الاجانب الفسقة فى التليفزيون .... والاغنياء الفجرة الذين لا يحسون بالغلابة ممن يلعبون بالكرة الشراب ...... ام هى تحوير لكلمة ( cover ) الانجليزية والتى تعنى انها بالونة مغطاة بغلاف سميك من البلاستيك ...... حقيقة لا اعلم .....كان نادرا ما يلعب بها فى الشوارع لكبر حجمها واحتياجها لمساحات كبيرة جدا ..... هذا ما كان يقال دائما .... اما السبب الاساسى طبعا فكان غلو ثمنها فى مقابل تلك الكرة التى كانت تصنع من اسفنج مقاعد مترو حلوان القديم او اتوبيسات كارتر الشهيرة ثم يوضع هذا الاسفنج داخل شراب حريمى او كيس بلاستيك ايهما توفر ثم تلف بنوع معين من الخيط ثم تنقع فى الكلة لتاخذ صلابة معينة يختبرها محترفى كرة القدم القدامى ليعطوها ختم الجودة او يطيحوا بها فى اى خرابة معلنين ان الذى صنعها محدث كورة ......

رايت فى هذه الشوارع والحوارى والازقة عمالقة كرة القدم فى حلوان .... رايت حسام وابراهيم حسن .... وكذلك حمامة لاعب البلاستيك واينو نجم المصرى الشهير ...... اما افضلهم بالنسبة لى فكان ..... محمود الحافى !!! نعم ..... الحافى .... انتم لا تعرفونه ... انا اعرفه ...... كان ساحرا ... يفعل بالكرة ما يريد ... كانت بالنسبة له كالعشيقة التى تأبى ان تبتعد عن احضان عشيقها ..... يتحكم فيها حتى وهى بعيدة عن قدميه !! تكاد تقسم ان هناك مغناطيسا يربطها الى قدمه .... كان محمود يلعب حافيا ... ياتى للمبارة وهو يلبس كاوتش ( باتا ) الابيض الشهير ثم يخلعه على الخط مثلما يخلع الساحر قفازه قبل تادية العابه حتى لا يشكك المشاهدون فى مهاراته ..
كان مبدعا ... قادرا على اخراج الاهات من الحناجر مثله مثل نجوم الكوميديا الذين ينتزعون الضحكات فجأة فتحس بان مظاهرة قد خرجت للتو ..... الاسماء الكبيرة كانت تخشى الدخول معه فى عزف فردى .... كان الجميع يتحاشاه .... فيصل لمرمى الخصم فى سهولة ويسر لن تختلف كثيرا لو حاولوا ايقافه ...... ( كان فى كل منطقة لاعب يأخذ لقب الحافى فلقد رايت الكثيرون ممن تلقبوا بهذا الاسم ...... )

كان اللعب غالبا ما يكون على المشاريب ... بمعنى ... ان يقوم الفريق المهزوم بدفع ثمن الحاجة الساقعة للفريق المنتصر .... واحيانا يتغير المشروب ليصبح عصير قصب !! ثم تطور الامر واصبح اللعب على فلوس ... أى ان يدفع كل لاعب من الفريقين مبلغا والفائز ياخذ الحصيلة .... الا ان فتوى ظهرت من مكان ما ... فى وقت ما ... حرمت هذا .. وقالت انه لا يجوز اللعب على الفلوس ... فارتد الكثيرون اعقابهم للعب على المشاريب مرة اخرى .... وكأن المشاريب كانت توزع مجانا !!!!

لعبت فى الشوارع الكرة والعاب اخرى مثلما لعب معظم ابناء جيلى ... لم نكن مشتركين فى اى نادى .... بالرغم من سهولة الاشتراك فيها وقتها .... وتقسيط ثمن الاشتراك على المرتب للعاملين بالقطاع العام .... الا انها لم تكن من اولويات الاسرة .... لذلك عندما كنت اذهب مع اصدقائى لاحد النوادى كنت احس بالغربة وعدم الالفة .... وهو ما انطبع على حياتى بعد ذلك ..... الى ان جائت زوجتى والاولاد وغيروا من هذا التفكير الى غير رجعة ....... ولهذا قصة اخرى ... سأرويها ...... ( يتبع )


محمد شلتوت

هناك 5 تعليقات:

  1. الله عليك يا صديق المُبدِع محمد شلتوت الشهير بمحمد ابراهيم
    فعلاً استمتعت بما كتبت ومازلت مستمتعاً متصوراً ومشاهداً لما ما تقصه ..
    بالفعل لقد ابدعت كعادتك في توصيل المشهد لنا وكأنه رؤية العين... فيسهل علينا فهم المعني... احيييييك مرة اخري.

    ردحذف
  2. جميلة جداً جداً جداً
    أنت ناقص عن زويل إيه...أمي لما كانت بتقولنا الكلمة دي و إحنا ناقصين عن الأوائل زحروميت درجة ، كنت بقولها ناقصة مخ يا حاجة!
    لحد دلوقت و أنا كبرت و شعري قرب يشيب نصه ، و أعرف أنا موهوبة في إيه أصلاً.
    ربنا يكرم عيالك و يعرفوا بدري :)

    ردحذف
  3. واضح ان البيوت كلها متشابهة نفس الام ونفس الاب والاولاد بس على فكرة ولادنا غلابه اوى انت كنت بتلعب فى الشارع بدون خوف او قلق تلعب وتحس بالحريه فى اللعب فى الشارع اما الان صعب ان نعطى لاولادنا هذه الحريه احنا كان عندنا ملاعب كتير فى مدارسنا وعرض رياضى وموسيقى وتدبير منزلى اما الان فلا يوجد وقت لشىء من كتر حشو المناهج اصبحنا دائما خائفين من كل شىء وعلى كل شىء.

    وفى النهايه انت دايما بارع يامحمد دايما بتمس قضايا كلنا مقهورين فيها

    ردحذف
  4. الدنيا غير الدنيا للأسف
    وللأسف دى بقولها بكل حسره
    اسلوبك حلو طبعا ميختلفش عنك انت شخصيا فى الحيقيقه
    بس دى الحلاوه المؤلمة

    ردحذف