السبت، 11 يونيو 2011

زماننا ..... وزمن غيرنا !!!

عشت حياتى طولا وعرضا ...... وسافرت البلاد شرقا وغربا ..... اكلت اشهى الاطعمة واردأها
واقمت بافخم الفنادق واسوأها ...... تعاملت مع الامراء والهلافيت ...... أرتنى الدنيا من صنيعها العجب العجاب !!!!
الا اننى رغم كثرة الاسفار وغرابة المشاهد والاخبار كنت احلم بسفر اخر ... غريب .... مستحيل ....
كنت اتمنى السفر للماضى فارى كيف كانوا يعيشون ويتعاملون ... كيف كانوا يتداوون ؟؟ يحاربون ؟؟؟ ياكلون ؟؟ هل حياتهم كانت اجمل وابسط واهدأ ام انها كانت مليئة بالمعاناة والمرض والقسوة ؟؟؟
كنت افكر فى ذلك طوال اسفارى واتسائل هل سيستطيع الانسان ان يخترق الزمن ويعيش فيه ؟؟؟؟ ويتجول داخله ؟؟ مثلما استطعنا ان نختصر المسافات فنقطع فى ساعات ما كانت تقطعه اكباد الابل فى اسابيع وشهور ؟؟؟
ظل هذا السؤال يجول بذهنى شهورا واعوام ..... الى ان طلب منى ذات صباح الاستعداد للذهاب الى نيجيريا ...... !!!ونيجيريا من وجهة نظرى هى بلد العجائب وليست الهند ...... ففيها كل شئ .... كل شئ !!!
بها اغنى الاغنياء وافقر الفقراء وبها الرخاء والبلاء وبها من كل خيرات الله الاقتصادية والبشرية .... الا انها تختلف عن الهند فى شئ اساسى هو ان الله قد سلط عليها حكامها من الديكتاتوريين العظام كباقى دول القارة السوداء فسرقوا خيرها وثروا على حساب شعبها ...


فى نيجيريا ما ان تنزل من الطائرة حتى تتحسس جيوبك وكذلك اصابعك خشية السرقة بل ان حياتك نفسها مهددة اذا ما فكرت لحظة بان تجب على من يطلب منك اخراج كل ما فى جيبك اجابة اخرى غير ان تعطيه كل ما فيها بالفعل !!!!
لا ازال اذكر تلك المرة التى نزلنا فيها لاجوس العاصمة والتى دخل لاستقبالنا فى الاتوبيس الذى سيقلنا للفندق ضابط شاب يهنئنا فيها بسلامة الوصول وان نرتاح تماما فقد وصلنا لنيجريا بلد الامن والامان ولكن علينا عدم فتح شبابيك الاتوبيس وكذلك عدم الالتفات لاى اطلاق نار قد يحدث اثناء سير الاتوبيس !!!! وعند وصولنا للفندق لفت السائق نظرنا على اننا لابد من ان نجمع حفنة من الدولارات لاعطائها للضابط نظير قيامه بحمايتنا !!!


يالله انها نفس نظرية القوافل القديمة يقوم على حمايتها مجموعة من العسكر فى مقابل ان تحصل على مقابل من كل تاجر تقوم بحمايته وحماية بضائعه !!!


فى نيجيريا لا تستطيع ان تخرج من الفندق بمفردك .... فهذه رفاهية قد تدفع ثمنها غاليا وكذلك عليك ان تحتاط صحيا ففيها من الامراض على كل لون يا باتيستا ......!!ماهو معروف وما هو ليس له حل حتى الان !!
واخطرها الملاريا المخيه !!! تلك الملاريا الخبيثه والتى تسببها ناموسة صغيرة تصيب المخ مباشرة ويؤدى ارتفاع درجة حرارة الجسم لتلف خلاياه ثم الموت بعد فترة والعياذ بالله !!
ذات ظهيرة ارتفعت فيها درجة الحرارة والرطوبة بدرجة مخيفة قررت فيها ان اخلع ملابسى وارمى نفسى داخل حمام السباحه الفخم والذى يحتويه ذلك الفندق ذو الخمسة نجوم والذى كان دائما خال من النزلاء !!! ...... انعشتنى المياه وخرجت منها لاستلقى على الاريكة الممدة حتى يجف جسدى وطلبت شيئا لاشربه ..... فجائنى احدهم وهو يحمل مشروبا مثلجا جميلا ويبتسم ابتسامة عريضة وهو يقول ..... اننى احييك يا سيدى على شجاعتك !!! فانتفخت زهوا معتقدا انه كان يراقبنى اثناء السباحه فقلت له بفخر اننى اجيد السباحة منذ الصغر !! فرد بهدوء ... لا اتكلم عن السباحة ولكنى اتكلم عن شجاعتك فى نزول الحمام وهو محاط بهذه الكمية من الناموس والتى تجعل كل نزلاء الفندق يخافون من النزول فيه !!! تجمد الماء فى فمى ودققت النظر حول قدمى فوجدت كمية مهولة من الناموس الصغير والذى نسميه فى مصر الهاموش وكانها قد نسجت شرابا حول قدمى !!!
وكانت اول واخر مرة اضع نفسى فى حمام سباحة داخل او خارج الجمهورية !!
انها البدائية بكافة اشكالها وليست هناك لحياة الانسان قيمة والتى من الممكن ان تودى بحياتك فى دقائق بينما الاخرون يتابعونك وهم يفتحون افواههم من الدهشة ولا يحركون ساكنا !!


فى احد الرحلات لهذه البلاد الغريبة اضطررنا للاقامة فى مدينة كانو النيجيرية وهى تبعد ساعة عن لاجوس بالطائرة وهى اقل فى كل شئ من العاصمة وهناك حططنا الرحال فى فندق يملكه احد اللبنانيين المقيميين هناك وهم بالمناسبة كثيرين – ولكنهم للاسف مكروهين من السكان لاسباب اكثرها مادية وتجارية
وكان هذا الرجل يحب المصريين كثيرا فقام بواجب الضيافة على افضل ما يكون...... فاعطانا غرفا رهيبة الاتساع تحس فيها وكانك تسكن فى قصر منيف وقد حدث هناك حدثا من الصعب نسيانه !!.....
كان صاحب الفندق لبنانى ظريف الطباع حسن الخلق يسمى طاهر وكان الرجل محبا للنكته المصرى وجاء وقت تسامرنا فيه وعرف باننى اشرب الشيشة ( ذنب ارجو الله ان يغفره ) فاقسم بانه سوف يرسل لى شيشة مخصوص على الغرفة !!!
المهم ذهبت لغرفتى لاستريح وبعد ساعة وجدت من يطرق الباب ووجدت شيشة ضخمه فخمه يحملها صبى نيجيرى ويقول انها هدية من السيد طاهر !!! فقلت له شكرا .... وعندما هممت باغلاق الباب قال لى انه لابد من بقاءه كى يقوم بخدمة الشيشة فوافقت على مضض حيث ان وجود شخص تحت قدميك وانت تدخن الشيشة يقوم بتغيير الفحم والتهوية المستمرة امر لم نتعوده ويعود بخيالك لايام المماليك !!! المهم اخذت ادخن النارجيلة وهذا الولد يقوم بعمله على اكمل وجه !!! وعندما انتهيت قدمت له البقشيش وقلت له شكرا اريد ان انام ...... إنصرف .
قال لى ..... ان السيد طاهر قال له ان يظل فى مكانه ليقوم على خدمتى ......

- تعجبت وقلت له شكرا لا اريد شيئا وتستطيع ان تذهب ......

- فرد بهدوء لا استطيع ..... لقد امرنى السيد طاهر ولا استطيع ان اخالف كلامه .....
- يحرق طاهر وسنين طاهر ..... ياعم انصرف اريد ان انام ......

- لا استطيع يا سيدى لا بد ان يامرنى السيد طاهر بنفسه
اتصلت بطاهر فقال لى موظف الاستقبال ان السيد طاهر قد ذهب لمدينه قريبة وسيرجع بعد ساعتين او ثلاث
يادى المصيبة طب اعمل ايه .... اشيله وارميه بره الاوضه ..... وهو خلال كل هذا كان يجلس ساكنا مقرفصا جسده فى ركن من اركان الغرفة منتظرا ..... طاهر!!!
مرت الساعات بطيئة الى ان وصلنى تليفون من طاهر يتسائل عما اريد ؟؟!
- يا عم تعال خد الواد ده من هنا .....

- فرد بقلق هوه عمل حاجة ولا ايه ؟؟؟

- قلت له لأ بس هوه هنا بيعمل ايه ؟؟
فرد ده من العبيد يا محمد يعمل اللى انت عايزه !! تخليه يجيب حاجة !! يودى حاجة !!
فصرخت فى التليفون .... عبيد ايه يا عم طاهر هوه احنا ايام الكفار ؟؟؟ ....يا عم الحج تعال خد الواد ده من هنا .... انا حاسس انى بقيت ابو لهب !!!
جاء طاهر واخذ الصبى وهو متعجب من اننى ارد هديته القيمة بهذه العصبية وعدم الرضا !!! وتذكرت يومها الذل والانكسار فى عين الفتى وتخيلت لو ان الزمن قد عاد بى للوراء وخلقت فى زمان وبلاد لا يراعى للانسان فيها حرمة ولا قيمة .....فهتفت فى اعماقى ....... الحمد لله اريد ان اعيش زمانى بكل ما فيه من عيوب.


محمد شلتوت

هناك 7 تعليقات:

  1. مدونتك بتفكرنى بمغامرات السندبان فالتنقل من براجراف لبرجراف يمثل انتقال من بلد لبلد و من دنيا لدنيا ...

    خلى بالك من الملاريا جدااا ...

    ردحذف
  2. الحمد لله ,, وايش عملت بعدها يوم عرفت انك سبحت بماء في الملاريا ؟؟

    ردحذف
  3. كبير يا باشا والله

    بجد بجد لازم الواحد يكون رابط الحزام وهو بيحلق في فضاء مدونتك الرحبة

    كانت ممتعة أووي الرحلة الزمانية والمكانية دي يا شلتوت

    فعلا كأني كنت معاك

    وتألمت جسدياً بعد السباحة
    ونفسياً بعد واقعة الشيشة

    ردحذف
  4. هقولها تانى برضه
    لما بدخل مدونتك كأنى مسافرة فى رحلة ولما البوست بيخلص ببقى رجعت مصر تانى

    ردحذف
  5. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  6. أحب ان اضيف .............انه يمتلك عده سيارات فارهه ..........زهل تغلم مكتوب على النمر الخاصه بها ايه ............؟؟؟


    طاهر 1 وطاهر 2 وطاهر 3 ايوه دى نمر العربيات !

    ردحذف