الخميس، 5 أغسطس 2010

الموت

كثيرا ما نواجه ظروفا جوية سيئة ينتج عنها مطبات جوية شديدة تقلب حال الطائرة راسا على عقب ويصبح حالنا مثل بحارة على ظهر سفينة تتقاذفها امواج البحر العاتية تضربها يمينا تارة ويسارا تارة اخرى وتعلو بها مرة وتهوى بها مرات حتى تحس وكانك فى لعبة المنخل بملاهى السندباد .......
إلا انه فى الملاهى تعرف مؤكدا انها دقائق وينتهى الدور بخيره وشره ......إلا انك بالطائرة لا تعرف نهاية لما سوف يحدث !!!
كنا على متن احد الرحلات المتجهة الى بانكوك وكان الفصل شتاء وهو فصل الاعاصير والرياح فى هذه المنطقة من العالم وكانت الرحلة تسير على ما يرام واكثر الى ان بدات المطبات الجوية المعتادة والتى تعطى لك نفس الاحساس بان مهندس الطرق الجوية ايضا قد اصابه الفساد مثلما يحدث على الارض وان الطريق لم ياخذ حظه من الرصف بعناية ويجعلك تلعن الاهمال الذى ملأ البر والبحر .......وحتى الجو
ثم جائت اشارة ربط الحزام لتنبهنا ان الموضوع مش شوية مطبات وخلاص .....لأ دى مطبات كتير.......وهتقعد شوية
فبدانا عملنا بالتنبيه على الركاب بالتزام المقاعد وربط الاحزمة .....كل هذا والمطبات فى تزايد مستمر .....ثم اشارة ثانية من قائد الطائرة بالتزام الجميع بالمقاعد بما فيهم الطاقم بالكامل ......ثم بدات القصة
مطبات هيستيرية لم اقابلها فى حياتى من قبل تتوالى كموجات البحر العاتية تاخذك لاعلى واعلى واعلى ثم تهبط بك فجاة لاسفل فتشعر بانك لن تعلو ثانية ....

لأعلى ثم اعلى فاعلى ثم هبوط شديد يجعل قلبك ينخلع من ضلوعه وتحس بان روحك ستذهب لخالقها ..... وضوء البرق المبهر ينعكس من الخارج على نوافذ الطائرة فتحس بانك فى فيلم امريكى نهايته الكارثية معروفة ......
اصدقكم القول اننى احسست بخوف شديد فانا لم اجرب مطبات بهذه القسوة من قبل فتركت مكانى النائى فى اخر الطائرة وجلست على احد مقاعد الركاب الفارغة احوقل وابسمل واحاول ان اتذكر كل ما احفظه من ايات منجيات وادعية حافظات ادخرها لمثل هذه المناسبات المرعبة .........

وفجاة رايت احد الركاب يسير فى الممر متجها ناحية الحمام فاشرت اليه بان يجلس مكانه بسرعة ويربط الحزام فاذا به يجلس جانبى ويمسك يدى بشدة ويقول لى .....قولى الحقيقة يابنى احنا هنموت مش كده !!!
رددت وانا احاول التحكم فى نبرات صوتى ياعم الحج قول كلام غيرده ...خللى ايمانك بالله كبير ...اهدى كده وخد نفس وان شاء الله شوية صغيرة وكل ده هيعدى على خير ....

كنت اطلب منه ان يلتقط انفاسه وانا دقات قلبى وانفاسى المتلاحقة تكادا من الرعب ان تعزفا موسيقة حسب الله ....
هدات المطبات قليلا مما اعطاه الفرصة لان يبدا لى حكاية لم يكملها عن سفره للصين لزراعة الكبد وقال لى وسط دموع كتم معظمها_ وان انسالت فى غير رغبة منه على خديه لتحفر طريقا لاخواتها ليكملوا مشوارهم الطويل العميق فى وجهه_ انه لا يخاف الموت ولكنه يخاف ان يقابل الله وهو ملئ بالخطايا .....
احسست بصدق كلماته وكيف انه اختصنى بها فى هذا الظرف العصيب فما كان منى الا ان قلت له ومن منا بلا خطايا يا صديقى ؟؟؟
رد ويداه ما تزال تقبض على يدى بشدة ......ولكن خطاياى كثيرة !!!
عند تلك الجملة لن انسى طيلة حياتى ما حدث
........... لقد سقطت الطائرة ............!!!!
نعم سقطت الطائرة فى جيب هوائى عميق وتعالت الصرخات والتكبيرات ووجدت نفسى احاول ان اتشبث باى شئ ولكن هيهات...
ولولا ستر الله وربطى للحزام لكنت قد لزقت فى سقف الطائرة كالعنكبوت .......لحظات رهيبة تمر عليك فتتذكر فيها حياتك كلها بخيرها وشرها ....احبائك واقربائك .....كيف ستقابل وجه رب كريم !!!
هزات شديدة اعقبت السقوط المدوى ثم استقرار يصاحبه بعض الهزات الخفيفة ثم هدوء تام ......نظرت فى الطائرة من حولى فرايتها وكانها قد شهدت معركة عصيبه ورايت الركاب وقد اصفرت وجوههم وانتفشت شعورهم وكانهم قد خرجوا للتو من فيلم رعب مخيف ......تذكرت فجاة الراكب الذى كان يجلس بجوارى فاذا به ممدا على الكرسى وقد فقد الوعى واصفر وجهه اصفرارا شديدا .....اسرعت لنجدته باسطوانة الاوكسجين وعمل الاسعافات اللازمة ولا ازال اذكر تهلل وجهه عندما فتح عينيه وبصعوبة سمعت صوته يخرج ضعيفا واهنا ....لسه فيه عمر .....لسه فيه عمر .....لسه ماجاش ميعادى !!
من بين الكثير من الحالات الانسانية التى تراها فى اثناء حياتك العملية هناك القليل من البشر لن تنساهم ابدا مهما طالت بك الحياة أو اخذتك مشاكل الدنيا .......كان هذا الرجل واحدا منهم ........
وعلى الجانب الاخر نقابل اشخاصا يملؤهم الغرور والصلف ومهما حاولت ارضاؤهم لا تجد كلمة شكر او تقدير .....فى بداية هذه الرحلة كان معنا احد المشاهير والذى كان يتعامل معنا بتعال غريب وينتقد كل صغيرة وكبيرة فى الطائرة بحق وبدون حق ويحاول اثارة المشاكل بدون اسباب .....اريد ان اقول انه كان الاعلى صراخا وبالرغم من انه كان فى اول الطائرة وكنت فى اخرها الا اننى سمعت عويله وانا فى مكانى ......اعلم انه حب الحياة الذى نتساوى فيه جميعا ...ولكن ما دمنا نحبها بهذا الشكل فلماذا لا نعيشها اكثر بساطة وتواضع وايمان.......رايته وقد خرج من الحمام يحاول تنظيف بنطلونه المبتل وعندما وجدنى انظر اليه كشر انيابه ووجدته يصرخ فى وجهى ....
حتى حنفيات الطيارة بايظة ......غرقت البنطلون ....!!!!
فضحكت فى وجهه و..........مضيت .
محمد شلتوت

هناك 6 تعليقات:

  1. سبحان الله..هناك من لا يريد مقابلة خالقه بقائمة أعماله و هناك من لا يريد مفارقة الدنيا!
    أعشق المطارات و السفر ,و أظنني وجدت في مدونتك ضالتي.
    شكراً لك.

    ردحذف
  2. أخى الفاضل محمد
    كل عام و أنت بخير بمناسبة شهر رمضان الكريم

    أحييك على أسلوبك الجذاب و حفظك الله و رزقك الخير كله و أحسن خاتمتك

    تحياتى

    ردحذف
  3. كل عام وانت بخير

    يالها من رحلة! لا أعتقد أنك ستنساها أبد الدهر .. والحمدلله على سلامتك.

    فعلا العديد من المشاهير أو حتى أصحاب الأرصدة الممتلئة يعاملون باقي الناس بكبر وتفاخر لا معنى له,, ألم يعلموا أن كلنا آدم وآدم من تراب!.

    مدونة جميلة :)

    ردحذف
  4. يا ستار يا رب...
    الرحلات دي ممكن تلاقي فيها عبر و دروس و معاني كتير مكنتش تتخيل انك تقابلها ف حياتك ، جايز تكون سمعت زيها لكن انك تعيش التجربة غير انك تسمعها...
    ربنا يحفظك من كل سوء...
    دمت بود...

    ردحذف
  5. حمد لله على السلامه ربنا يعزنا واياك شر القدر وشر الموت فجأة .... تعرف انا حسيت اوى اللى انت بتقوله رغم انى زى اى بنت عادية سفرى خارج حدود القاهرة يتعد على الاصابع بس انا اعانى شئ غريب جدا اثناء الاكل بيحصلى حاجة غريبة بعد مضغ الاكل جيدا والمفروض انى ابلعه و يدخل المرئ و هكذا بيقف عند لسان المزمار لا يرضى يدخل و لا اعرف ارجعه تانى و فجأة مفيش نفس دا بيحصل لبرهه بسيطة من الوقت احسن انى خلاص هقابل وجه كريم و اتشاهد فى نفسى ويصيبنى الخوف و الفزع بس مش خوف من الموت بل رعب من لقاء الله و انا بزنوبى تلك فى ناس كتير بتتمنى الموت عندما يتعرضون لمواقف صعبه بس حقيقى لما تقرب منه شئ صعب جدا احب و اتمنى واشتاق للقاء الله بس مرعوبة من زنوبى الهم احسن ختامنا جميعا و اجعل خير ايامنا يوم ان نلقاك يا رب يارب يارب .... حيرانه

    ردحذف