الاثنين، 29 مارس 2010

رحلتى مع الواسطة

لو كانت الواسطة رجلا لقتلته ولو كانت ولية كنت كتمت نفسها .....
الواسطة هو ذلك الفيروس الغريب الذى يتسلل رويدا رويدا داخل داخل جسد الوطن فيقلبه لخرقة بالية لا تساوى شيئا .......الواسطة هى تلك الطفاشة الغريبه التى تفتح كل الابواب المغلقة وتساوي بين باب اى بيت فقير وباب اكبر خزنة فى البلد
عائلتى هى من ضمن عائلات كثيرة فى مصر والتى كانت ترى ان النجاح والتفوق هو الطريق الوحيد للصعود الاجتماعى وان الاجتهاد هو السبيل الامثل للترقى وصعود السلم الوظيفى من اوله .....
الا اننى اكتشفت تآكل تلك الطبقة وخرافة هذه المفاهيم وان السلم تم بيعه خرده فى سوق الجمعة وان العلم لا يكيل بالبتنجان واللى مالهوش ضهر ينضرب على قفاه ( قفاه ده كان زمان اما الان فان الذى ليس له ضهر يتم اغتصابه )


بدات رحلتى مع الواسطة بعد التخرج مباشرة حيث كان ابى يصر على ان اجتهد فى دراستى لان هذا هو طريقى الوحيد للحصول على وظيفه مرموقة واكتشفت بعدها طبعا ان الكلام ده كان ايام رفاعه الطهطاوى وتخليص الابريز فى تلخيص باريز وإمام البعثه الذى اصبح عميدا لكلية الالسن والفيلم الحمضان ده كله اللى ضحكوا بيه علينا لان كل مرة كنت اتقدم لوظيفة حكومية كنت بلاقى اللى جايب مقبول او شايل مواد هوه اللى بياخد الوظيفة اما اللى زى حالاتى كنا بناخد..........
والغريب ان فى مصر يتساوى القطاع العام والخاص فى هذه الحكايه فما زلت اذكر اننى بعد ان عملت باحد شركات القطاع الخاص لثلاث سنوات متتاليه اتى صاحب العمل باحد الشباب الروش ليكون مديرا علينا وذلك لان ابوه يعمل بهيئة الاستثمار ومعلهش يا محمد وشويه كده ويمشى ....... والذى حدث ان من مشى هو انا !!!!!


تمنيت منذ صغرى ان اعمل بالصحافة وكنت اراسل العديد من الصحف التى كانت احيانا تنشر لى واحيانا اخرى ترجع لى ما ارسلته اليها وعليه بوسة ساعى البريد وهذا ما حفزنى بعد التخرج مباشرة لمحاولة العمل بهذا المجال والذى كانت لى معه قصة سارويها لكم ........
كان من زملاء الكلية زميلة يعمل والدها بجريدة الاهرام لذا ما ان انتهت الدراسة مباشرة حتى التحقت بالاهرام ويكلى مع ان درجة اجادتها للانجليزية شككتنى فى الانجليزى نفسه - ما علينا - .....
كانت هذه الزميلة لا تعترف ابدا بانها لم تكن لتعمل بالاهرام لولا ابوها وتصر دائما على ان الاهرام ابوابه مفتوحة لاى موهبة وان الاستاذ عبد الوهاب مطاوع –رحمه الله – يشجع المواهب والكفاءات دائما وانه يعطى الفرصة وراء الفرصة حتى تثبت نفسك وتثبت قدميك فى العمل الصحفى .......

وانا زى الاهبل صدقتها وطلعت على الاهرام تانى يوم ودخلت البهو وعديت من الجهاز متجها للاسانسير لقيت الامن بيسالنى (ماهو الامن ده ورانا ورانا ) .......

- رايح فين يا بنى ؟؟
ابنى يا نهار اسود !! ده باينه اهبل !! فرددت بعنطزة رايح مجلة الشباب ....

- فجاء رده جافا ايوه مجلة الشباب عند مين ؟؟

- بلعت ريقى وقلت مكتب الاستاذ عبد الوهاب مطاوع
- عبد الوهاب مطاوع مرة واحدة .....فيه ميعاد ؟؟
- قلت : لأ بس انا سمعت انهم بيستقبلوا الشباب اللى عايز يكتب وبيختبروهم و اللى بينفع منهم بيتدرب فى الاهرام
- ضحك الرجل ضحكة خبيثة وقال مافيش يابنى الكلام ده هنا !!
- تمالكت نفسى وقلت ازاى ياعم الحج ؟!
- فرد بعصبيه زى الناس يا بنى .....هوه اى من هب ودب يدخل الاهرام !!
- يا نهار .....هب ودب .....يعنى ايه ؟؟ الراجل ده حاقد واكيد ده من حزب اعداء النجاح واللى باعتهم الحزب علشان يوقفوا نموى وتقدمى ..... رددت الغطرسة بمثلها وخرج صوتى عاليا مضطربا طب ممكن التليفون؟؟
- فرد بقلق ايوه عايز تكلم مين؟؟

- هاكلم مدير مكتب الاستاذ مطاوع
نظر فى عينى فتحولت عيناى للنظر لابهة وفخامة المدخل التى لو كان اداء الاهرام فى نفس روعته لاصبح من اكبر صحف العالم ........
المهم نظر لى بشك وقاللى استنى شوية وبتناحة خريجى الجامعة الذين لا يجدون عملا ويمسكون بانصاف انصاف انصاف الفرص لعل يكون وراءها خيرا وقفت امام الرجل وانا لازق نفسى امامه لا يلتفت الا ويجدنى فى وجهه مع عبارات من امثال اللهم طولك ياروح .....استغفر الله العظيم ........والصبريا رب
- ما تخلصنى يا سيدى الله يكرمك انا مش هافضل ملطوع كده طول النهار- صرخت فى وجهه
نظر لى وراى فى عينى نظرة هبل فخاف على سمعته وسنه فاخذ سماعة التليفون واتصل وقال الاستاذ محمود لو سمحت !! ثم اخذ يردد ......
- مش عارف عايز ايه ؟؟ واقف بقاله نص ساعة !! ثم انفرد بالسماعة جانبا
وسمعته يهمس.... قول له اى حاجة!! ده لزقة !!

ثم ناولنى السماعة قائلا اتفضل ...فسالته مين ده ؟؟ قاللى بقرف ما اعرفش .....

- تناولت السماعة وقلت مجلة الشباب ؟؟

- فجاء الصوت غليظا ايوه عايز حاجة ؟؟ .......

ايوه يا فندم سمعت ان الاستاذ مطاوع بيقدم تدريب للشباب اللى بيحب الصحافة وجيت اقدم ورقى
- ....انت من طرف مين ؟؟

- فقلت لا والله يا فندم انا خريج جديد ومش جاى من طرف حد ........صمت.........صمت .........صمت...........
- انا ...الوه.......

- الطرف الاخر ايوه يا بنى للاسف مافيش فرص تدريب دلوقت ممكن السنه الجاية زى الايام دى نطلب ناس
- فجاء صوتى ضعيفا......ياه...... السنه الجايه ياترى مين يعيش ؟؟؟ طب ممكن يا فندم تسمح بطلوعى بس اشوف الاهرام من جوه دى كانت من امنيات حياتى .........

- لا والله يابنى ما ينفعش ممنوع
- ليه كده يا استاذ محمود ده انا ضارب المشوار من حلوان ودى امنية حياتى .........

- انا مش محمود يا استاذ وبقولك ما اقدرش اطلعك فوق!!
- مش محمود امال حضرتك مين ؟؟

- انا السويتش اى خدمه تانيه
يا ولاد ال.............. كان هذا اول قفا فى حياتى تعلمت منه ان هناك اماكن لا تستطيع ان تدخلها الا بالواسطة والمحسوبية والكوسة
وعندها فقط تذكرت زميلتى وهى تؤكد ان ابواب الاهرام مفتوحة للجميع والتمست لها العذر لانها اكيد كانت تقصد ابواب الاهرام الثلاثة بالجيزة.......

محمد شلتوت

هناك تعليقان (2):