السبت، 11 سبتمبر 2010

زرقاء اليمامة ( مهداة الى احمد عبد الفتاح رئيس رابطة الضيافة الجويه )

يحكى تاريخ العرب انه فى صحراء اليمامة كانت هناك فتاة جميلة ...زرقاءالعينين .....شعرها الاسود الطويل ينسدل على كتفيها كموج البحر
وهبها الله ما لم يهب بنات جنسها ولا لاحد فى العالمين .....وهبها قوة البصر ....كانت ترى ما لا يراه الناس ولو كان على بعد الاف الاميال ترى القافلة وقد اقبلت بنحو اسبوع وتراها وقد ادبرت حتى تبتلعها تلال الرمال ......كانت الفتاة تعلم جيدا اهمية ما وهبت من نعمة
فلم تفضح سرا ولم تفشى ما ستره الله.......
وضعت ما تملك فى خدمة اهلها وقبيلتها ...الذين منحهم الله اجود الاراضى واطيب الثمر حتى اضحوا مطمعا لكل من حولهم ....
كانت ما ان ترى جيشا او خطرا يهدد اهلها حتى تسرع لرجال القبيلة تنبههم وتشير لاتجاه الخطر فياخذوا حذرهم ويعدوا العدة ويتربصون بالعدو فما استطاعت قبيلة ان تقهرهم ولا استطاع مغير ان يسلبهم شيئا.......
مرت الايام هانئة حلوة وزرقاء اليمامة تعيش وسط اهلها كالملكة المتوجة تشير على اهلها بالراى السديد فياخذوا به .....
الى ان جاء زمن مات فيه شيخ القبيلة وراى الشيخ الجديد انه لا راى يعلو فوق رايه وان رايه الصواب حتى ولو كان خطئا وان على الجميع ان يصمتوا فى حضرته.....حتى الزرقاء عندما ارادت الكلام نهرها واغلظ القول لها وسخر من عيونها وقال لو كان القتال يحسم بالعيون لكحل كل الناس عيونهم .......
حتى جاء يوم ابصرت فيه الزرقاء شيئا مريبا غريبا لم تشاهده من قبل ....رات شجرا كثيفا يزحف نحو قبيلتها ...احتارت فى امر الشجر وهل تقول لاهلها ام تصمت وتكتم ما تراه مخافة السخرية والاستهزاء
حسمت امرها بعد ان رات عدد الاشجار يزيد ويقترب رويدا رويدا.....
وعند المساء ذهبت لمجلس الحكماء واستاذنت فى الكلام وروت ما راته عينيها وما ان انتهت حتى تعالت الضحكات واخذ الناس يتصايحون لقد جنت الزرقاء ....الزرقاء ترى شجرا يتحرك!!! .....اليوم شجرا يتحرك وغدا نخل يطير !!! يا زرقاء اصمتى لقد ذهب عقلك....
وامر رئيس القبيلة زرقاء اليمامة بالصمت حتى لا يخاف الناس وحكم بجلدها ان تكلمت ....
لم تطق الزرقاء ان ترى خطرا يهدد ارضها واهلها وتصمت فسارت فى الطرقات تصيح وتولول..... الشجر قادم.....احذروا يا قوم ...الشجر يقترب....اعدوا العدة ....لا تكاسلوا ....انى ارى مالا ترون .
امر شيخ القبيلة ان تجلد الزرقاء امام القوم جزاء ما نشرته من فزع وخوف بل وامر سفهاء القرية ان يسخروا منها فى الطرقات ....
مرت ايام عصيبة كانت زرقاء اليمامة تمشى فيها يلاحقها السفهاء
بسئ القول والاطفال بالحجارة وهى لا تزال على حالها تحذر القوم من هجوم الاشجار ....
وفى صبيحة احد الايام شديدة الحرارة وبينما الجميع يلتمسون الراحة فى خيامهم سمع الناس اصواتا تاتى من بعيد وكانها عاصفة تستعد للهبوب الا انهم عندما خرجوا لاستطلاع الامر وجدوا ما جعلهم يثبتون بدون حراك ...راوا الاف الرجال المدججين بالسلاح وقد حملوا اغصان اشجار يختفون ورائها واخذ الرجال يقتربون سريعا بينما القبيلة قد داهمها الرعب فلم تستطع حراكا ..... واخذ الجميع فى وسط الهرج والمرج يحاول كل واحد منهم ان يفر باهله وعشيرته والاخر بامواله وذهبه وشيخ القبيلة وحيدا يجرى هنا وهناك يحاول يائسا ان يجمع جيشا للقتال دون جدوى .......
هزمت القبيلة ......ودخل الاعداء ديارها وقتلوا رجالها واستباحوا نسائها وحرقوا ونهبوا وسلبوا ....واول ما سالوا سالوا عن الزرقاء !!!
واحضروها وشيخ قبيلتها وما تبقى من رجال قد اثخنتهم الجراح
وسالوها ...حاولنا غزو ارضكم عشرات المرات وكنتى لنا بالمرصاد
فماذا حدث يا زرقاء ؟؟ قالت وهى تنظر لشيخ قبيلتها الجريح الذليل
قدمت كل ما املك فلم يكن جزائى غير السخرية والاهانة ....وهاهى الايام تثبت صدق كلامى ومن كان يسخر منى هاهو يجلس يعض انامله حسرة وندم ....فسالوها .....وهل ندمتى يا زرقاء ؟؟! فردت بفخر وعزة ...احب ارضى واهلى ولو عاد الزمان لفعلت ما فعلت
فقالوا لها ....ها وقد انتهت الحرب وملكنا زمام الامر فهل تبقى فينا وانت العزيزة الكريمة ولك الجاه والسلطان على ان تقومى فقط بانذارنا اذا ما اتى مغير او اقترب خطر منا....
فردت وراسها الشامخة تطاول جباههم والله لا ابيع اهلى وارضى ولو اعطيتونى كنوز الدنيا .......فردوا .....او تعلمين ماذا سنفعل بك ؟؟؟
فقالت وماذا بعد ان خربتم ارضى وقتلتم اهلى ...ليس بعد الموت مصيبه ..............فامروا بها وبشيخ قبيلتها فقتلوه قتلة شنعاء وعلقوا راسه اعلى خيمته ......اما الزرقاء ......فقد اقتلعوا عينيها ....كانت اجمل ما فيها ...لكنها ابت ان تخدم عدوها وقبلت راضية ان تعيش ما تبقى من حياتها عمياء لا ترى .....خيرا من ان ترى وجوه اعداءها.
لم تعش الزرقاء كثيرا .....فلقد ماتت يوم ان كذبها اهلها وسخروا منها فلقد رات ما لم يروه وحذرتهم فتجاهلوا وسخروا ......
عاشت سيرة الزرقاء فى قبائل العرب وكتبهم ورواياتهم الاف السنين ...الا انه وياللعجب لم يذكر كتاب واحد ولا سيرة نادرة اسم ........ شيخ القبيلة !!!!!
( العظماء لا يموتون ... والسفهاء تلفظهم كتب التاريخ ... بل وحكايات الناس )

محمد شلتوت
( قصة زرقاء اليمامة بتصرف )