الخميس، 22 سبتمبر 2011

عم صلاح ...!!!

من منا اختار حلاقه الاول؟؟؟ ….. لا احد !!! كلنا ذهبنا مع ابائنا لنحلق اول مرة ومن بعدها اصبح حلاق ابونا هو حلاقنا بالوراثة ……هناك من تمرد بالطبع سريعا على اولئك الحلاقين العواجيز …. والذين كنا نراهم كذلك …. حتى وان كانوا فى عمر الاباء …. لكنهم كانوا يمثلون لنا الكلاسيكية الفجة بكل معانيها ….. الشعر القصير الممدد جانبا والسوالف القصيرة وذلك التدريج البشع من الخلف والذى يجعل راسك مثل نجيلة الاستاد ……
الا انا …..نعم لم اتمرد على عم صلاح ذلك الرجل الطيب الذى كان يستقبلك بابتسامته الصبوحه ومقصه الذى يضربه فى الهواء وكأنه ساحر سوف ياتى بالاعاجيب ….. لم يكن عم صلاح حلاقا عبقريا ولكنه كان يمثل لى زمن الفن الجميل بكل تفاصيله ….. لم يفارق البالطو الابيض حتى اخر ايام حياته ….يدهن شعره بالفازلين فتحس كانه خرج توا من تحت دش منعش …. وشاربه الدوجلاس الذى رسم بعناية فى منتصف وجهه يعطيك فكرة مذهلة عن اتقانه لعمله …. كان عم صلاح يعرفنا بالاسم ويعرف اخوتنا بل ويعرف جيراننا الذين يحلقون عنده …. كم من جيران المنطقة كان لقائى الاول بهم هناك فى محله العتيق والذى تحس انه لوكيشن تصوير لاحد الافلام العربى القديمة …..مروحة عتيقة معلقة فى ذلك السقف العالى والتى تمنح المكان نسمة هواء جميلة تجعل فترة الانتظار مهما طالت تمر وكانها دقائق ….الراديو العتيق القابع فوق رف خشبى متهالك ثبت خصيصا لكى يناسب طول عم صلاح والذى برغم قدمه الظاهرى الاانه كان يعمل بكفاءة تحسده عليها اجهزة التليفزيون الحديثة والتى كان مصرا اصرارا عجيبا على عدم دخولها المحل….. ثم تلك الصورة فى اطارها المذهب والتى تصوره فى ايام شبابه وكانه كمال الشناوى فى فيلم يتقاسم بطولته مع شادية !!!!
عم صلاح لم يكن ينظر فى الفلوس ليرى كم اعطيته … كان هناك شبه اتفاق بينه وبين اهالينا … اشهد الله اننى لم اراه يوما متبرما من زبون اعطاه اقل مما يستحق لانه اساسا كان يرمى بالفلوس فى الصندوق الخشبى القابع تحت المراة الكبيرة فى وسط المحل فلا تعرف ان كان رزقه كثير ام قليل … لكننى ضبطته فى اخر ايامه يشكو لوالدى ضيق العيش وصعوبة الايام وكيف ان المحلات الجديدة لم تترك له زبونا وان الشباب لم يعد يتحمل تلك القصات العتيقة وانه اضطر تحت ضغط الحاجة لان يحضر شابا لكى يساعده حتى لا تتوقف حركة المحل … كان صلاح يعرف جيدا ان الولد يسرقه وانه ياخذ اكثر مما يستحق ولكنه كان يغض الطرف حتى تسير السفينه وكم كنت ارى نظرات الحسرة فى عينيه عندما يدخل احد الشباب فيقوم عم صلاح للترحاب به استعدادا للحلاقة فيخذله الفتى قائلا انه سينتظر حتى ينتهى الشاب الجديد من الحلاقة لزبون تحت يده … كان يبتلع الاهانه بابتسامة ويعلم ان الزمان يمر وانه لن يعيش زمنه وزمن غيره …… الااننى وجدته يوما فى قمة غضبه والرزاز ينهمر من فمه عندما اصابت كلمات شاب طائش كرامة الرجل فى مقتل بعد ان حلق له عم صلاح حلاقة مش على الموضة ……
باع عم صلاح المحل لذلك الفتى الذى اتى به ليساعده … باعه برخص التراب حتى يستطيع ان يجهز بناته الثلاثة ولم اشاهده الا مرة اخيرة داخل بيتنا عندما وجدته يقوم بالحلاقة لوالدى بالمنزل ورايت المقص يرتعش فى يده الا ان نظرة واحدة من والدى جعلتنى اصمت واراقب هذا الرجل الجميل الذى كنت فى غاية الاشتياق للقاءه ……
مات عم صلاح بعد هذه الزيارة باسابيع وفى سرادق العزاء اكتشفت كم كانت له اياد بيضاء على كثيرين ممن علمهم او حتى ساعدهم فى بدايه الطريق ….. حتى ذلك الفتى الذى اخذ مكانه كلما مررت بالدكان ارى صورة كبيرة لعم صلاح معلقة بداخله فاعرف ان الوفاء لم يمت بعد !!!!


لم احلق ابدا خارج مصر لاسباب اغلبها نفسى وكذلك لغرابة التقاليع وقصات الشعر العجيبة الى ان وسوس لى شيطانى بالحلاقة فى احد المحلات بمدينة دسلدورف الالمانية وهناك دخلت فوجدت سيدة المانية بدينه فى انتظارى ولا تتكلم كلمة واحدة بالانجليزية ولكن كان سبب وجودى مفهوم طبعا فانا لم اذهب هناك للعب التنس … ولما شاهدت حيرتى وصعوبة التفاهم معى وجدتها قد اتت بكاتلوج فيه العديد من القصات الغريبة العجيبة فاخترت اقربها الى طبيعة شعرى .... لا اريد ان اتكلم عن نضافة المكان ولا نظامه ولا اناقته ولا تلك الشهادة الالمانية المختومة المعلقة فى صدر المكان والتى هى فى اغلب الظن شهادة مدرسة الحلاقين العليا ...
المهم انتهت السيدة من عملها وسالت عن الحساب فوجدته يقارب العشرين يورو … نعم … ما يقارب 170 جنيه مصرى.... كدت ان ابكى … لكننى تمالكت اعصابى بسرعه ولعنت ابو شيطانى الذى اتى بى لهذا المكان وتركت المكان سريعا وكاننى اهرب من فعلة شنعاء قد فعلتها الا ان المصيبة الحقيقية ظهرت عندما تقابلت مع زملائى ونحن نستعد لترك الفندق فما ان راونى حتى سقطوا من الضحك …ايه يا بنى اللى انت عملته فى نفسك ده !!! لا حول الله يا رب !!! انت حلقت لنفسك ولا ايه ؟؟!! قدر ولطف !!! معلهش تعيش وتحلق غيرها !!! عندها فقط نظرت فى المراة بتمعن فايقنت انى لازم اقرا الفاتحة لعم صلاح …..


محمد شلتوت