الثلاثاء، 24 أغسطس 2010

المرور

قبل ان ابدئ تجوالى فى بلاد الله كنت اظن _وبعض الظن اثم _ انه فى اوروبا والدول المتقدمة يمتلكون طرقا اوسع وميادين ارحب وان الناس هناك لا يعانون ابدا من مشاكل المرور التى نعانيها ......
لكن للاسف اتضح لى العكس تماما ......انهم يمتلكون طرقا _فى احوال كثيرة _ اضيق من طرقنا وميادينهم معظمها ليست باتساع ميدان الكونكورد الشهير ...كما انهم فى احيان كثيرة يعانون من مشاكل مرورية كبيرة .....اذن اين المشكلة ؟؟؟ المشكلة للاسف ......فينا
نعم مشكلتنا فى انفسنا فنحن لا نحترم اشارة (هذا اذا كان فيه اشارة اساسا ) ولا نطبق قانونا (هذا اذا كان هناك قانون يطبق فى الاصل ) ولا نتبع نظاما ...(يعنى ايه نظام !!!! )
رايت فى بلاد الفرنجة مرورا بلا ضباط ورايت فى بلادى ضباطا بلا مرور
كانت تجربتى الاولى فى باريس والتى كنت اعتقد قبل زيارتها ان شوارعها بحجم طريق النصر _ الذى كان يقام فيه العرض العسكرى بالقاهرة – وهو بالمناسبة اعرض طريق فى مصر المحروسة
ولكننى وجدتهم اغلب من الغلب..... طرقهم ضيقة واغلبها اتجاه واحد والمفاجأة انهم من كتر غلبهم بيخلوا العربيات ذات الارقام المجوز تمشى يوم والارقام الفردى تمشى يوم تانى يعنى بيبدلوا ....
والمرور ماشى حلو و ميه ميه .......ليه !! لان كل واحد هناك محترم نفسه ما بيبلطجش على خلق الله ولا بيرمى شمال ولا بيحدف يمين عايز يعدى بالعافية ولا فيه واحد شحط جايب كرسى وقاعد فى وسط الشارع بيشد شيشه ولا ميكروباص بينزل الناس فى وسط الطريق وياكش تولع .....حتى البلاد اللى مليانه توك توك ياربى زى بانكوك والهند المرور ماشى فيها حلاوة اما هنا .......لنا الله!!!!
الرصيف فى اوروبا مقدس لا احد يجروء على المساس به حتى فى المناطق السياحيه مثل برشلونه واثينا تستطيع بعض الكافيهات اخذ جزء من الرصيف ولكن بحساب وليس على حساب الناس ....هناك .....من يمشى فى وسط الشارع فهو مجنون ....وفى بلادى من يمشى على الرصيف فهو فاضى بيضيع وقت .....واتحداك ان تمشى على الرصيف فى مصر لاكثر من خطوات قليلة دون ان تنزل الى نهر الطريق وترد مرة اخرى ( استبعد الكورنيش ومارينا ).....
أما عن اول حادثه رايتها فى اوربا فقد كانت فى باريس عندما اصطدمت عربة نقل كبيرة باتوبيس الطاقم المتجه ناحية المطار..... كان حادث اصطدام بسيط يومها استعددت لسماع الشتائم الفرنسية وقلت ننزل نعمل واجب مع الراجل يمكن سواق النقل يلطشه قلم او يهفه قفا .....لكن للاسف ذهب كل ما تخيلته هباء ....نزل الرجلان بهدؤ ونظر كل منهم الى سيارته واحاط بما فيها من تلفيات وتبادلا اوراقا لم اعرف ما هى ثم افترقا دون كلمة واحدة ولا ظابط بوليس ولا امين شرطة ولا مين ابن ال..... اللى اداك الرخصة ؟؟؟
لقد تبادلا ارقام وثائق التامين على العربتين ولا اعرف ما هى الاجراءات المتبعه بعد ذلك ولكننى رايت منظرا حضاريا لكم اتمنى ان اراه فى شوارعنا

هذا المنظر ذكرنى بحادث ما زال مطبوعا فى ذاكرتى رايته وانا اقود سيارتى فوق كوبرى اكتوبر .....كانت ساعة الظهيرة والكوبرى كالعادة بطيئا مملا وكانت السيارات تسير عليه كما تسير جماعات السلاحف نحو البحر بعد عملية الفقس _ لاننا بالفعل كنا قد فقسنا من الحر _ وفجاة اصطدمت سيارة بيتلز قديمة بمؤخرة سيارة تاكسى فحطمت له فوانيس المؤخرة تماما _ وما ادراك ما
البيتلز .....!!!
فما كان من سواق التاكسى الا ان نزل من السيارة وذهب للخلف وراى ما حدث بسيارته فرجع بكل هدوء الى داخل السيارة وخرج منها وهو يحمل عتلة .......واتجه ناحية البيتلز وقام بخبط فانوسها الايسر وهو يقول بصوت عالى .......آدى واحد......ثم اتجه ناحية الفانوس الايمن وهو يقول ...وآدى التانى !!!
ثم اشار لصاحب السيارة باصبعه اشارة قبيحة وهو يقول له ......كده خالصين يا باشا !!!!
هكذا وبكل هدوء ......الغريب فى الامر ان صاحب البيتلز تقبل الامر بصدر رحب واستنارة عالية - يمكن علشان الموضوع خاص بالفوانيس- واكمل سيره مع قطيع السيارات فوق الكوبرى وكأن شيئا لم يكن ....
بس يا سيدى ومن يومها وانا حاطط تحت الكرسى عتله حديد عندما رآها احد اصدقائى مؤخرا ضحك بشدة وقال : ده انت قديم قوى ....يابنى كل الناس ماشيه دلوقت ب self defense

محمد شلتوت

الخميس، 5 أغسطس 2010

الموت

كثيرا ما نواجه ظروفا جوية سيئة ينتج عنها مطبات جوية شديدة تقلب حال الطائرة راسا على عقب ويصبح حالنا مثل بحارة على ظهر سفينة تتقاذفها امواج البحر العاتية تضربها يمينا تارة ويسارا تارة اخرى وتعلو بها مرة وتهوى بها مرات حتى تحس وكانك فى لعبة المنخل بملاهى السندباد .......
إلا انه فى الملاهى تعرف مؤكدا انها دقائق وينتهى الدور بخيره وشره ......إلا انك بالطائرة لا تعرف نهاية لما سوف يحدث !!!
كنا على متن احد الرحلات المتجهة الى بانكوك وكان الفصل شتاء وهو فصل الاعاصير والرياح فى هذه المنطقة من العالم وكانت الرحلة تسير على ما يرام واكثر الى ان بدات المطبات الجوية المعتادة والتى تعطى لك نفس الاحساس بان مهندس الطرق الجوية ايضا قد اصابه الفساد مثلما يحدث على الارض وان الطريق لم ياخذ حظه من الرصف بعناية ويجعلك تلعن الاهمال الذى ملأ البر والبحر .......وحتى الجو
ثم جائت اشارة ربط الحزام لتنبهنا ان الموضوع مش شوية مطبات وخلاص .....لأ دى مطبات كتير.......وهتقعد شوية
فبدانا عملنا بالتنبيه على الركاب بالتزام المقاعد وربط الاحزمة .....كل هذا والمطبات فى تزايد مستمر .....ثم اشارة ثانية من قائد الطائرة بالتزام الجميع بالمقاعد بما فيهم الطاقم بالكامل ......ثم بدات القصة
مطبات هيستيرية لم اقابلها فى حياتى من قبل تتوالى كموجات البحر العاتية تاخذك لاعلى واعلى واعلى ثم تهبط بك فجاة لاسفل فتشعر بانك لن تعلو ثانية ....

لأعلى ثم اعلى فاعلى ثم هبوط شديد يجعل قلبك ينخلع من ضلوعه وتحس بان روحك ستذهب لخالقها ..... وضوء البرق المبهر ينعكس من الخارج على نوافذ الطائرة فتحس بانك فى فيلم امريكى نهايته الكارثية معروفة ......
اصدقكم القول اننى احسست بخوف شديد فانا لم اجرب مطبات بهذه القسوة من قبل فتركت مكانى النائى فى اخر الطائرة وجلست على احد مقاعد الركاب الفارغة احوقل وابسمل واحاول ان اتذكر كل ما احفظه من ايات منجيات وادعية حافظات ادخرها لمثل هذه المناسبات المرعبة .........

وفجاة رايت احد الركاب يسير فى الممر متجها ناحية الحمام فاشرت اليه بان يجلس مكانه بسرعة ويربط الحزام فاذا به يجلس جانبى ويمسك يدى بشدة ويقول لى .....قولى الحقيقة يابنى احنا هنموت مش كده !!!
رددت وانا احاول التحكم فى نبرات صوتى ياعم الحج قول كلام غيرده ...خللى ايمانك بالله كبير ...اهدى كده وخد نفس وان شاء الله شوية صغيرة وكل ده هيعدى على خير ....

كنت اطلب منه ان يلتقط انفاسه وانا دقات قلبى وانفاسى المتلاحقة تكادا من الرعب ان تعزفا موسيقة حسب الله ....
هدات المطبات قليلا مما اعطاه الفرصة لان يبدا لى حكاية لم يكملها عن سفره للصين لزراعة الكبد وقال لى وسط دموع كتم معظمها_ وان انسالت فى غير رغبة منه على خديه لتحفر طريقا لاخواتها ليكملوا مشوارهم الطويل العميق فى وجهه_ انه لا يخاف الموت ولكنه يخاف ان يقابل الله وهو ملئ بالخطايا .....
احسست بصدق كلماته وكيف انه اختصنى بها فى هذا الظرف العصيب فما كان منى الا ان قلت له ومن منا بلا خطايا يا صديقى ؟؟؟
رد ويداه ما تزال تقبض على يدى بشدة ......ولكن خطاياى كثيرة !!!
عند تلك الجملة لن انسى طيلة حياتى ما حدث
........... لقد سقطت الطائرة ............!!!!
نعم سقطت الطائرة فى جيب هوائى عميق وتعالت الصرخات والتكبيرات ووجدت نفسى احاول ان اتشبث باى شئ ولكن هيهات...
ولولا ستر الله وربطى للحزام لكنت قد لزقت فى سقف الطائرة كالعنكبوت .......لحظات رهيبة تمر عليك فتتذكر فيها حياتك كلها بخيرها وشرها ....احبائك واقربائك .....كيف ستقابل وجه رب كريم !!!
هزات شديدة اعقبت السقوط المدوى ثم استقرار يصاحبه بعض الهزات الخفيفة ثم هدوء تام ......نظرت فى الطائرة من حولى فرايتها وكانها قد شهدت معركة عصيبه ورايت الركاب وقد اصفرت وجوههم وانتفشت شعورهم وكانهم قد خرجوا للتو من فيلم رعب مخيف ......تذكرت فجاة الراكب الذى كان يجلس بجوارى فاذا به ممدا على الكرسى وقد فقد الوعى واصفر وجهه اصفرارا شديدا .....اسرعت لنجدته باسطوانة الاوكسجين وعمل الاسعافات اللازمة ولا ازال اذكر تهلل وجهه عندما فتح عينيه وبصعوبة سمعت صوته يخرج ضعيفا واهنا ....لسه فيه عمر .....لسه فيه عمر .....لسه ماجاش ميعادى !!
من بين الكثير من الحالات الانسانية التى تراها فى اثناء حياتك العملية هناك القليل من البشر لن تنساهم ابدا مهما طالت بك الحياة أو اخذتك مشاكل الدنيا .......كان هذا الرجل واحدا منهم ........
وعلى الجانب الاخر نقابل اشخاصا يملؤهم الغرور والصلف ومهما حاولت ارضاؤهم لا تجد كلمة شكر او تقدير .....فى بداية هذه الرحلة كان معنا احد المشاهير والذى كان يتعامل معنا بتعال غريب وينتقد كل صغيرة وكبيرة فى الطائرة بحق وبدون حق ويحاول اثارة المشاكل بدون اسباب .....اريد ان اقول انه كان الاعلى صراخا وبالرغم من انه كان فى اول الطائرة وكنت فى اخرها الا اننى سمعت عويله وانا فى مكانى ......اعلم انه حب الحياة الذى نتساوى فيه جميعا ...ولكن ما دمنا نحبها بهذا الشكل فلماذا لا نعيشها اكثر بساطة وتواضع وايمان.......رايته وقد خرج من الحمام يحاول تنظيف بنطلونه المبتل وعندما وجدنى انظر اليه كشر انيابه ووجدته يصرخ فى وجهى ....
حتى حنفيات الطيارة بايظة ......غرقت البنطلون ....!!!!
فضحكت فى وجهه و..........مضيت .
محمد شلتوت